الجمعة 20 شوال 1441 هـ

الموافق 12 يونيو 2020 م

 

الحمد لله الذي زين قلوب أوليائه بأنوار الاتفاق والوفاق، وسقى أسرار أحبائه شراباً لذيذ المذاق، وألزم قلوب الخائفين الوجَل والإشفاق، فلا يعلم الإنسان في أي الدواوين كتب ولا في أيِّ الفريقين يساق، فإن سامح فبفضله، وإن عاقب فبعدلِه، ولا اعتراض على الملك الخلاق، ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، إلهٌ عزَّ مَن اعتز به فلا يضام، وذلَّ مَن تكبر عن أمره ولقي الآثام. ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، خاتم أنبيائه، وسيد أصفيائه، المخصوص بالمقام المحمود، في اليوم المشهود، الذي جُمع فيه الأنبياء تحت لوائه، صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: في زمن ظهر فيه حُبُّ الحياة الدنيا والتعلق بها، بمختلف الصور والأشكال، يحتاج المسلم في هذا الوقت إلى التذكير بما يبعثه على محبة الآخرين، وبذل الخير والإحسان والمعروف  لهم، وكفّ الشر والأذى عنهم، إنه خُلُق: سلامة الصدر وصفاء القلب وطهارته، الذي يعيش به المسلم سعيداً مرضياً مسروراً مطمئناً.. ومعنى سلامة القلب والصدر: أن يكون القلب مليئاً بنور الإيمان مؤمناً بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقضاء خيره وشره، أن يكون مليئاً بالإخلاص ، والتوكل ، والمراقبة  واليقين، ومحباً لله ورسوله والمؤمنين، وأن يكون القلب سليماً خالياً من الكفر، والشرك ، والريبة، والنفاق والرياء ، والكبر والعظمة والعجب والخيلاء ، والكذب والبهتان وكل ما ينقص الإيمان..

سلامة القلب من أنبل الخصال وأشرف الخلال، التي يدرك بها المسلمُ عظيمَ الأجر

وحسن المآب، وهي النعمة التي ما وجدت نعمة على الأرض أجل وأعظم منها، وما نفع يوم الدين مثلها: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) قال ابن القيم رحمه الله: (لا يُجاوِرُ الرحمنَ قلبٌ دُنِّس بأوساخِ الشهوات والرياء أبداً) وهي نعمة توهب لأهل الجنة حين يدخلونها: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) يقول أهل العلم عند هذه الآية: (وذلك أن صاحب الغِلّ معذَّب به، ولا عذابَ في الجنة)،وسلامة القلب وطهارته من أخص الخصال،وأصفى الصفات لذا كان من وصف الله لخليله الكريم إبراهيم، عليه السلام:(إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) سلامة القلب معينة على الخيرات والطاعات قاطعة سلاسل العيوب وأسباب الذنوب من سلم صدره عن الإرادات الفاسدة وطهر قلبه عن الظنون السيئة عف لسانه عن الغيبة والنميمة والكذب والبهتان وقالة السوء… سليم القلب قلبه مستريح، أبيض مشرق، معمور بالإيمان والتوحيد، منّ الله عليه بدوام البهجة والصفاء، سالم من نزغات الحقد الأعمى، لا غش فيه ولا بغي ولا غلّ ولا حسد، سئل صلى الله وعليه وسلم: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ، قَالَ هُوَ التَّقِىُّ النَّقِيُّ لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْىَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ) والحِقدُ والحسدُ داءٌ في القلوبِ، إن لم يُتدارَك بالدعاء وسلامةِ الصدرِ أظلمَ به؛ قال عليه الصلاة والسلام: (لا تَباغَضُوا، ولا تَحاسَدوا، ولا تَدابَروا، ولا تَقاطَعوا، وكونوا عبادَ الله إخواناً) وقدِمَ رجلٌ على النبيِّ ﷺ فقال لأصحابه قبل أن يقدم عليهم: (يطلُعُ عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة). فلما سُئِل ذلك الرجل عن عمله قال: إني لا أجِدُ في نفسي لأحدٍ من المُسلمين غشًّاً، ولا أحسِدُ أحداً على خيرٍ أعطاه الله إياه).. ويا عجباً لأهل هذا الزمان ، يحقد الإنسان  (رجل كان أو امرأة) على أخيه بغير أذية منه بل هو الحسد لما أنعم الله عليه به من الخير، ثم ينشر عنه الشائعات والأقاويل لينفر الناس منه، وأعجب من ذلك من وصله حديث عن شخص فأخذ منه موقفاً وملأ قلبه عليه غضباً دون أن يتأكد من صحة ما نقله الناقل، وتعظم المصيبة إن كان مثل ذلك يحدث بين من يرى الناس فيهم أنهم أهل العلم والصلاح والدعوة إلى الله ثم ترى بينهم من الشحناء والبغضاء ما يحلق الدين، ويذهب الحسنات  ويجلب السيئات،  فلا إله إلا الله رب الأرض والسموات، ألا يكف أولئك عما هم فيه من الجنوح والجنون؟ لقد امتدح الله المهاجرين والأنصار بأنّهم يدعونه تعالى أن يُطهِّر قلوبهم على بعضهم البعض، وعلى من يأتي بعدهم ويسلِّمها من الغل والبغضاء والشّحناء والحسد، فقال: (وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاً لّلَّذِينَ آمَنُوا) عباد الله:إن المسلم الحق يجب أن يعيش مع إخوانه بصفاء قلب، وطِيب نَفْسٍ، وحُسْن سريرة، لا يحمل لهم ضغينةً ولا كراهيةً، ولا يُضمر لهم حقداً ولا غِشًّاً، ولا خداعاً ولا مكراً، بل يعيش بنفس تفيض بالخيرات والإحسان، والخُلُق الجميل والصفاء والنقاء، فهو من نفسه في راحة والناس منه في سلامة لا يعرف الناسُ منه بلاءً ولا شرًّاً، ولا يُقاسُونَ منه عناء ولا شقاء، قال صلى الله عليه وسلم: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحبُّ لِنَفْسِهِ) كيف يكون القلب سليماً لمن جعل بأسه على إخوانه شديداً، يكيل السب والشتم للآخرين؟ كيف يكون القلب سليماً وصاحبه يفرح بعيوب العباد، ويتلهى بسرد الفضائح وكشف الستور وإبداء العورات إنه قلب مريض  فقير إلى رحمة الله عز وجل؟

لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تَعلو بِهِ الرُتَبُ

وَلا يَنالُ العُلا مَن طَبعُهُ الغَضَبُ

سلامة القلب خصلة من خصال البر غابت رسومها، واندثرت معالمها، حتى غدت اليوم عزيزة المنال، عسيرة الحصول، خاصة مع تسارُع إيقاع الحياة وشدَّة تنافس الناس في أمور الدنيا، حتى تكدرت المعايش وساءت العلاقات بين الناس في المجتمع.

أيها المسلمون: والقلب السليم ليس القلب الذي يسهل غشه وخداعه ولا يعرف الخير من الشر، إنما القلب السليم المحمود هو الذي يعرف الخير والشر، لكنه يريد الخير ويحبه للمسلمين.. سلامة القلب ليست تلوّناً كاذباً ومظهراً زائفاً، وليست فقط بشاشة اللقاء، وابتسامة الملتقى، أو فسحة المجلس، ولين الكلام، ولكنها مع كل ذلك صفاء في القلب وصلاح في الضمير وحب صادق خالص لله تعالى… سلامة القلب فيها صدق الاقتداء بالنبي صلى الله وعليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم أسلم الناس صدراً، وأطيبهم قلباً، وأصفاهم سريرة.وكان يقول لأصحابه (لاَ يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئاً فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ). وكان مِن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الصَّحيح: (وأسألك قلباً سليماً) و(وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي) أي: أخرج مِنه الحِقدَ والغِلَّ والحسد والغِش والبغضاءَ للمؤمنين.. وشواهد هذا في سيرته عليه الصلاة والسلام كثيرة، فلقد أوذي بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم أشدَّ ما تكون الأذيَّة في سبيل تبليغ دعوته للناس أجمعين، وما منعه أن ينتقم من أعدائه حين مكنه الله منهم إلا أنه سليم الصدر؛ يحب الخير لأمته، ويكره لها السوء والبلاء. فقد أدمى قومه وجهه صلى الله وعليه وسلم يوم أحد، وشجوا رأسه، وكسروا رباعيته، فكان يمسح الدم عن وجهه الشريف، ويقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) وحين دخل عليه الصلاة والسلام مكةَ فاتحاً لها وصارت تحت قبضته قال لأهلها الذين ناصبوه العداء واتهموه في عقله وفي عدالته وطردوه وشردوه وآذوه قال لهم لما عاد منتصرا اذهبوا فأنتم الطلقاء..

وانظروا رحمكم الله إلى المجتمع المسلم الأول من سلفكم الصالح، كيف نظفت نفوسهم، وطهرت قلوبهم ، وزكت أفئدتهم ، وسمت هممهم فكان مجتمع الصفاء والإخاء  والطهارة والنقاء، مجتمع تسوده الرحمة والألفة والمحبة، مجتمع يحب بعضه بعضاً، ويفدي بعضه بعضاً، مجتمع ترك الدنيا وزينتها ، وطلب ما عند الله تعالى ، مجتمع يحب لله ، ويبغض لله ، قال الله عنهم  (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً) قال سفيان بن دينار: قلتُ لأبي بشر: أخبِرْني عن أعمال مَن كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيراً، ويُؤْجَرون كثيراً، قال: قلتُ: ولِمَ ذاك؟ قال: لسلامةِ صدورهم. رأى عليٌّ بن أبي طالب طلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما وهما خصمان في موقعة الجمل، (رأى علي طلحة) في واد مُلقى مقتولاً فنزل عن دابته وأجلسه، ومسح التراب عن وجهه ولحيته، وقال:  عزيز عليّ أبا محمد بأن أراك مجندلاً في الأودية تحت نجوم السماء، إلى الله أشكو عجري وبجري  (يعني همومي وأحزاني) وقال ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة. وعن أبي حبيبة قال: دخلت على علي رضي الله عنه وعمران بن طلحة بعد وقعة الجمل، حيث استشهد فيها طلحة، فرحب بي، ثم أدناه، ثم قال لولد طلحة يطيب خاطره، بعد مقتل أبيه، يقول علي لولد طلحة: إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك ممن قال فيهم وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ) وهذا زيد بن أسلم يدخل على أبي دجانة رضي الله عنهما وهو مريض وكان وجهه يتهلل، فقال له: ما لَكَ يتهلل وجهُكَ؟ قال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: أما إحداهما: فكنتُ لا أتكلم بما لا يعنيني، وأما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً). ويقول الفضيل بن عياض رحمه الله: ما أدرك عندنا مَنْ أدرك بكثرة نوافل الصلاة والصيام وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للأمة) الله أكبر يا عباد الله، إنها قلوب تسامت عن ذاتها، وتعالت عن حظوظها، وتغلبت على غضبها ونزواتها وشهواتها.

اللهم طهر قلوبنا من كل غل وحقد وحسد وغش، اللهم اجعل قلوبنا تقية نقية، واجعلها سليمة يا رب العالمين، واجعلنا ممن يأتيك يوم القيامة بقلب سليم، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله، وصحبه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: من أراد أن يكون سليم الصدر، طاهر القلب من الشحناء والبغضاء والحقد والحسد فليأخذ بأسباب سلامة الصدر، وطهارة القلب، وهذه بعضها: الإقبال على الله تعالى بالتضرع والدعاء، وأن تلهج بالدعاء إلى الله تعالى بصلاح قلبك، وأن يجعل قلبك سليماً من الغِلِّ والضغينة والحقد والحسد. يقول تعالى: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).. ومن الأسباب المعينة على سلامة الصدر: الإقبال على كتاب الله تعالى: الذي أنزله شفاء لما في الصدور، قال تعالى:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) فكلما أقبلت يا عبد الله على كتاب الله تلاوة وحفظًاً وتدبراً وفهماً، صلح صدرك، وسلم قلبك.

ومن الأسباب:التخاطُبَ بالكلام الحسَن اللطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، لأنَّ الشيطان يَسعى بين العباد بما يُفسد عليهم دينَهم ودنياهم، وقد قال الله سبحانه آمراً: (وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الّتي هِىَ أحسَنُ إنّ الشَيطَانَ يَنَزَغُ بَيَنَهُم إن الشَيطَانَ كَانَ للإنَسانِ عَدُوّاً مُبِيناً )

ومن الأسباب المعينة على سلامة الصدر: إبعاد النفس عن الغضب، وتذكيرها بفضل كظم الغيظ وتحليتها بالحِلم والأناة، إذ الغضب مفتاح الشرور، وعنه يتولَّدُ الغِلُّ والحِقد والحسد، وقد صحَّ عن رجل مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ( يَا رَسُولَ اللهِ: أَوْصِنِي؟ فَقَالَ: (لَا تَغْضَبْ)، وكررها مراراً.. قَالَ الرَّجُلُ: فَفَكَّرْتُ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ، فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ.. ومن الأسباب المعينة على سلامة الصدر: ترْك المِراء والجِدال حول المسائل والوقائع والأحداث والفتن، حتى وإنْ كان المتكلِّم مُحقًّاً، لأنَّ ذلك قد يَجلب تعصُّبَ الإنسان وتعنُّتَه لِما يقول ويَختار، ورفعَ الصوت على مجادله، وتحقيرَ رأيه أمام الناس، فيظن هذا أنَّه يَستصغِرُه ويُجهِّلُه، وهذا يُثير الحقدَ والكراهية، ويُذكِي الشحناء، ويُولِّد النُّفرة، وفي ترْك المِراء راحة القلب والبَدن في الدنيا، والتَّنَعم في الجنَّة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّاً) والمِراء هو: الجِدال…

ومن الأسباب المعينة على سلامة الصدر:  إفشاء السلام على القريب والبعيد، مَن عَرفت مِنهم ومَن لم تَعرف، إذ صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ). ومِن الأسباب أيضاً: التهادي بين بعض، وصُنع المعروف لبعض، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ( تَهَادُوا تَحَابُّوا)  وصحَّ عن أنس رضي الله عنه أنَّه قال: يَا بَنِيَّ: تَبَاذَلُوا وتهادوا بَيْنَكُمْ، فَإِنَّهُ أَوَدُّ لِمَا بَيْنَكُمْ) ومِن الأسباب أيضاً: الاستعانة بصيام ثلاثة أيَّام مِن كل شهر، فالصوم يُهذِّب النفس، ويرقِّق الطبع، ويُضعف الغضب، ويَدحَر الشيطان، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) ووحَرُ الصَّدر هو غِشه وحِقده وحسده وغيظه ووساوسه. ولهذا تجد المكثرين من صيام التطوع من أعظم الخلق رفقًاً، وألينهم عريكة، وأوسعهم رحمة وأسهلهم معاملة.

نسأل الله تعالى أنْ يُطهِّرَ قلوبنا مِن الغِلّ والحقد والحسد، ويُزيلَ  عنها البغضاءَ والشحناء إنه ولي ذلك والقادر عليه.

اللهم اجعل قلوبنا سليمة على الناس أجمعين، اللهم طهر قلوبنا من كل غلٍ وحقدٍ وحسدٍ وغش وبغضاء، اللهم اجعل قلوبنا تقية نقية، واجعلها سليمة يا رب العالمين، اللهم اجعلنا ممن يأتيك يوم القيامة بقلبٍ سليم، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.. اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا،وتلم بها شعثنا، وتدفع بها الفتن والمحن عنا يا أرحم الراحمين.. اللهم إنا نعوذ بك من سوء القضاء، ودَرَك الشقاء، وشماتة الأعداء، ونزول البلاء، وانتشار الوباء، نسألك سلاماً ما بعده كَدَر، ورضاً ما بعدَه سخطٌ، وفرحاً ما بعدَه حزنٌ، اللهم عليكَ توكَّلْنا، وإليكَ أَنَبْنا وإليكَ المصيرُ، اللهم أكشف الغمة، عن هذه الأمة، وردنا إليك رداً

جميلاً، ولا تؤاخذنا بذنوبنا وتقصيرنا..

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، اللهم وفِّق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا سميع الدعاء..

اللهم وفِّق المسئولين والعاملينَ والمتطوعين في فريق البحرين الوطني في القطاع الصحي والطبي والعسكري والأمني والإعلامي والتطوعي،  وأَعِنْهم وانفع بهم، وبارك في جهودهم، وأحفظهم من كل سوء ومكروه، وأحفظ بلادنا وبلاد المسلمين والعالم أجمع من الأوبئة وسيئ الأسقام، ومّن بالشفاء والعافية على المصابين بهذا الوباء، وارحم المتوفين به، وعجل بانتهائه في القريب العاجل برحمتك وفضلك يا أرحم الراحمين.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً.. اللهم أنقذ المسجد الأقصى من عدوان المعتدين، ومن احتلال الغاصبين، اللهم اجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين. اللهم فرج الهم عن المهمومين ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم إن لنا أحباباً قد فقدناهم، وفي التراب وسدناهم، اللهم فأجعل النور في قبورهم يغشاهم واكتب ياربنا الجنة سكنانا وسكناهم، وأكتب لنا في دار النعيم لقياهم، إنك مولانا ومولاهم. (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

    خطبة جامع الفاتح الإسلامي- عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين